إستفقد سيادة راعي الأبرشيّة المتروبوليت الياس الجزيل الإحترام مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعيّ، حيث التقى أطبّاء المستشفى، بحضور رئيس جامعة القدّيس جاورجيوس في بيروت دولة نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور طارق متري، وأعضاء مجلس الإدارة و المدير العام التنفيذيّ للمستشفى الدكتور زياد حيدر والمدير الطّبي الدكتور صلاح الشويري، وذلك في أجواء عائليّةٍ، متمنّيًا للجميع أعيادًا مجيدةً مليئةً بالمحبّة وعمل الخير.
في المناسبة كانت لسيادته الكلمة التالية:
"بِاسمِ الآبِ والإبْـنِ والـرُّوحِ الـقُـدُسِ، آمين.
أَحِبَّائي، نَجْـتَـمِعُ الـيَـوْمَ لِـنَـرْفَعَ الـشُّـكْـرَ إلى اللهِ الَّـذي جَعَـلَ مِنَ العِـنايَةِ بِالجَـسَـدِ مَجالًا لِـتَـمْجِـيـدِ اسْـمِهِ، ومِـنْ مِهْـنَةِ الـطِّـبِّ دَعْــوَةً مُـقَـدَّسَةً تُـمارَسُ بِـروحِ الـمَحَـبَّـةِ والـتَّـضْحِـيَـةِ، كَخِـدْمَةٍ خَلاصِـيَّـةٍ تُـلامِـسُ الإِنْـسانَ في ضُعْــفِـه. فَـالأَطِـبَّـاءُ الَّـذِيـنَ يَـرْتَـدُونَ ثَـوْبَ العِــلْـمِ والخِـبْـرَةِ، إِنَّـما يَـنالُـونَ نِعْــمَةً خـاصَّةً عِـنْـدَما تَـقْـتَـرِنُ مَعْــرِفَــتُـهُـمْ بِـرُوحِ الـتَّـواضُعِ والعَــطاء والإنسانِـيَّة، لأَنَّ الـطَّـبـيـبَ يُعـايِـنُ ما لا يَـراهُ غَــيْــرُهُ، ويُـواجِهُ الأَلَـمَ والـمَـوْتَ والـرَّجاءَ كُـلَّ يَـوْمٍ، فَـيُـصْـبِحُ شـاهِـدًا عـلى هَـشاشَـةِ الحَـياةِ وعَـظَـمَةِ واهِــبِـهـا.
مُـنْـذُ الـقَـدِيـمِ أَظْـهَــرَ الـكِـتابُ المُـقَـدَّسُ قِـيـمَةَ الإِنْسانِ الجَـسَـدِيَّـةَ والـرُّوحِـيَّـةَ مَعًـا. الـرَّبُّ نَـفْـسُهُ «كانَ يَجُـولُ... ويَـشْـفِـي كُـلَّ مَـرَضٍ وكُـلَّ ضُعْــفٍ في الـشَّعْــبِ» (مـت 4: 23). لَـمْ يَـكُـنْ الـشِّـفـاءُ مُجَـرَّدَ مُعْـجِـزَةٍ بَـلْ إِعْـلانٌ أَنَّ الجَـسَـدَ لَـيْـسَ غَـرِيـبًـا عَـنْ خِـطَّـةِ اللهِ الخَلاصِيَّة. لِـذَلِـكَ، كُـلُّ عَـمَـلٍ يُـساهِـمُ في شِـفـاءِ الجَـسَـدِ هُـوَ مُـشارَكَةٌ في عَـمَـلِ المَـسِـيحِ الـشَّـافي، الَّـذي رأى في اهْـتِـمـامِ الـسَّامِـرِيِّ الـشَّـفـوقِ بِالـيَهـوديّ الجَـريحِ فِـعْــلَ رَحْـمَةٍ يُـرْضي الله. يَـقُـولُ الـقِـدِّيـسُ باسـيـلـيـوس الكَـبـيـر إِنَّ الـطَّـبـيـبَ «شَـرِيـكٌ للهِ في تَـدْبِـيـرِهِ لِـلجَـسَـد»، لأَنَّ اللهَ شـاءَ أَنْ يَـدْخُـلَ الإِنْـسانُ بِعَــقْـلِـهِ وخِـبْـرَتِـهِ فـي نِـظـامِ الطَّـبـيعَـةِ لِـكَي يُعـاوِنَ الـبَـشَـرَ عـلى الـبَـقـاءِ والـشِّـفـاء.
غَـيْـرَ أَنَّ هَـذِهِ الـدَّعْـوَةَ السـامِـيَةَ لا تَخْـلُـو مِـنَ الـتَّجارِبِ، بَـلْ لَعَـلَّهـا مِـنْ أَكْـثَـرِ الـمِهَــنِ عِـرْضَةً لِـمَـزالِـقَ مُـتَـنَـوِّعَـة. فَالإِنْـسانُ الَّـذي يَـمْـلُـكُ مَعْـرِفَةً لا يَمْـلُـكُـها غَـيْـرُهُ قـد يَـسْـقُـطُ في تَجْـرِبَـةِ العُـجْـبِ والـكِـبْـرِياءِ، فَـيَحْـسَـبُ نَـفْـسَهُ سَـيِّـدًا عـلى الحَـياةِ والـمَـوْت. والَّـذي يُعـالِجُ الأَجْـسـادَ قَـدْ يُجَـرَّبُ بِـأَنْ يَـنْـسى أَنَّهُ أَوَّلًا إبْـنٌ للهِ، وأَنَّ سُلْـطـانَهُ هُـوَ سُـلْطـانُ خِـدْمَةٍ لا تَحَـكُّـم. لِـذَلِـكَ، يَـقُـولُ القِـدِّيـسُ إِسْحَـق الـسُّـرْيـانِـيّ: «مَـنْ عَــرَفَ ضُعْــفَـهُ عَــرَفَ الله». مـا مِـنْ مِهْـنَـةٍ تَـكْـشِـفُ ضُعْــفَ الإِنْـسـانِ كَـمِهْـنَـةِ الـطِّـبِّ، لأَنَّ الـطَّـبـيـبَ، كُـلَّـما تَـقَـدَّمَ في عِـلْمِهِ، أَدْرَكَ أَنَّ الجَـسَـدَ سِـرٌّ، وأَنَّ الحَـياةَ لَـيْـسَـتْ بِـيَـدِهِ، وأَنَّ الـشِّـفـاءَ لا يَـكْـتَـمِـلُ إِلَّا إِذا شـاءَ الـرَّبّ.
مِـنْ أَهَـمِّ الـتَّجـارِبِ الّـتي قَـدْ تُـصِـيـبُ الـطَّـبـيـبَ أيضاً تَجْـرِبَةُ مَحَـبَّـةِ الـمال. يُـذَكِّـرُنـا الـكِـتابُ الـمُـقَـدَّسُ بِأَنَّ «مَحَـبَّةَ الـمالِ أَصْـلٌ لِـكُـلِّ الـشُّـرور» (1تي 6: 10)، ويُحَـذِّرُنا الآبـاءُ مِـنْ أَنَّ الـتَـركـيـزَ عـلى الـمَـرْدُودِ الـمادِّيِّ قَـدْ يُحَـوِّلُ الـطَّـبـيـبَ مِـنْ خـادِمٍ لِـلـرَّحْـمَةِ إلى تاجِـرٍ في الأَلَـم. لِـذَلِـكَ، عُــرِفَ في الكَـنِـيـسَةِ قِـدِّيـسـونَ أَطِـبَّـاء لُــقِّــبـوا بـ«العـادِمِيِّ الفِـضَّة» لأَنَّهُـم إِتَّخَـذُوا الـفَـقْـرَ الإِخْـتِـيـارِيَّ طَـرِيـقًـا لِحِـمايَةِ قُـلُـوبِهِـمْ مِـنَ الـتَّعَــلُّـقِ بِـالـمال. هَـؤُلاءِ لَـمْ يَكْـتَـفُـوا بِالعِـلْمِ، بَـلْ حَـمَـلُـوا رُوحَ الإِنْجـيـلِ في كُـلِّ عَـمَـلٍ قـامـوا بِـهِ، فَـأَصْـبَـحـوا أَيْـقُـوناتٍ حَـيَّةً لِـما يَجِـبُ أَنْ يَـكُـونَ عَـلَـيْهِ الـطَّـبـيـبُ المَـسِـيـحِيّ.
تَـأَمَّـلُـوا مَـثَـلًا في الـقِـدِّيـسِـيـن قُـزْمـا ودَمْـيـانـوس وبَندلايمون الشافي الـذيـن مـارَسـوا الـطِـبَّ بِلا أَجْـرٍ، وكانـوا يُعـالِجـونَ الإِنْـسانَ جَـسَـدًا ورُوحًـا. وَرَدَ في سِـيـرَتِهِـم أَنَّهُـم كانـوا يَـستَـهِـلّـونِ كُـلَّ عِـلاجٍ بِـالـصَّلاةِ، لأَنَّهُـم أَدْرَكـوا أَنَّ الـطَّـبـيـبَ الحَـقِـيـقِـيَّ هُـوَ اللهُ، وأَنَّهُـم أَدَواتٌ بِـيَـدِهِ. لَـقَـدْ تَـمَـسَّكـوا بِهَـذِهِ الـرُّوحِ حَـتَّى اسْـتِـشْهادِهِم ولَمْ يَـتَـراجَعـوا عَـنْ خِـدْمَةِ المَرِيض.
هَـذِهِ الـرُّوحُ الـبُـطُـولِـيَّةُ لَـيْـسَـتْ بَعِــيـدَةً عَـنْ بَـعْــضِ الأَطِـبَّـاءِ الـيَـوْم، الَّـذيـنَ يَـقِـفُـونَ يَـوْمِـيًّـا بَـيْـنَ الأَلَـمِ والـرَّجـاءِ، بَـيْـنَ الحَـياةِ والـمَـوْتِ، ويُـقَـدِّمُـونَ وَقْـتَـهُـمْ وَعِـلْـمَـهُـم وطـاقَـتَهُـمْ ومَحَـبَّـتَـهُـم وأحْـيـانـاً مـالَـهُـم خِـدْمَةً لِـمَـنْ يُعـاني، مُـدْرِكـيـنَ أنَّ الحِكْـمَـةَ الحَـقـيقِــيَّـةَ لا تَـدْفَـعُ إلى الثِـقَـةِ بالـنَـفْـسِ بَلْ إلى الـتَـواضُعِ أمامَ عَــظَـمَـةِ الله.
مُـسْـتَـشْـفَى الـقِـدِّيسِ جـاورجـيـوسَ الجامِعِـيَّ، الَّـذي يَحْـمِـلُ اسْـمَ شَـهِـيـدٍ عَـظِـيـمٍ في الكَـنِـيـسَةِ، يَعْــرِفُ تَـمامًـا مَعْــنَى الـتَّـضْحِـيَـة. فَـالـقِـدِّيسُ جـاورجـيـوس، الَّـذي لَـمْ يَـكُـنْ طَـبِـيـبًـا، صارَ شافِـيًـا لِـلـنُّـفـوسِ والأَجْـسـادِ لأَنَّهُ بَـذَلَ ذاتَهُ بِـمَحَـبَّةٍ كامِـلَةٍ لله. وأَنْـتُـمْ، أَيُّهـا الأَطِـبَّـاءُ الأحِـبّـاء، تَخْـدُمُـونَ في مُـؤَسَّـسَةٍ جُـبِـلَ تـارِيخُهـا بِالآلامِ والـصُّمـودِ، وقَـد عانَـتْ ما عانَـتْـهُ عاصِـمَـتُـنا الحَـبـيـبَةُ بيروت مِـنْ حُـروبٍ وتَحَـدِّياتٍ وكَـوارِثَ نـأمَـلُ أنْ يَـكـونَ آخِـرَها تَـفْـجـيـرُ المَـرْفأ، حتى صارَ هـذا الـمُـسْـتَـشْـفَى عَـلامَةَ رَجـاءٍ في قَـلْـبِ مَـدِيـنَةٍ مُـتَـأَلِّـمَةٍ. وأَنْـتُـمْ، بِجُهُـودِكُـمْ وسَهَـرِكُـمْ عـلى المَريضِ، وحِـرْصِكُـم عـلى المستَـشـفى، وَتَعـاوُنِـكُـم مَـعَ الإدارَةِ، تُعِــيـدُونَ إِلَـيْهِ نَـبْـضَ الحَـياةِ كُـلَّ يَـوْمٍ. أنـتـم شُـرَكـاءُ هـذه الـمُـؤَسَّسَةِ فـي زَرْعِ الـرَجـاءِ فـي الـنُـفـوس، فـي العَـطـاءِ وفـي الـتَـضْحِـيَّـةِ، في التَـعَــلُّـقِ بالـمَـبـادِئِ، واحْـتِـرامِ الـقِــيَـمِ، وَرَفْـضِ مَـقـولَـةِ «الغـايَةُ تُـبَـرِّرُ الـوَسـيـلَـة». أسْـلافُـكُـم كانـوا حِجارةَ الـزاوِيَـةِ الـتي بُـنِـيَ عَـلَـيهـا هـذا الـمـسـتـشـفـى. سـاهَـمـوا فـي إنـشـائِـهِ وفـي تَـطْـويـرِه، وكانـوا أُمَـنـاءَ لَـهُ. لَـمْ يُـساوِمـوا عـلى المَـبادِئِ ولَـمْ يَـضْعَــفـوا أمامَ التَـحَـدِّياتِ أوِ الـتَـجارِب. كـانَ الـمـسـتـشـفـى بَـيْـتـاً لَـهُـمْ عـاشـوا فـيهِ كَعـائـلَـةٍ وكَـبُـروا، وذاعَ صـيـتُـهـم فـي أرْجـاءِ لـبـنـان. مَعَ أسْلافي، والإداراتِ الـمُـتَعـاقِـبَـةِ، جـابَهـوا الـصِعـابَ، مَعـاً بَـنَـوا، مَعـاً أحَـبُّـوا وخَـدَمُـوا وضَحُّـوا حـتى صـارَ مـسـتـشـفـى الـقـديس جاورجيوس، ذو الـقَــرْنِ ونِصْفِ الـقَـرْن، يُـعْــرَفُ بِـأَعْـلامِـهِ الأطِـبّـاء، وصـارَ الأطِـبّـاءُ يَـفْـتَـخِـرونَ بـالـمـسـتـشـفـى الـذي صَـنَعَ عِــزَّهُـم وفَـتَـح لَـهُـم مَـجـالَ تَـمْـجـيـدِ اللهِ فـي الإنـسـانِ الـمَـريـض. شُـهْـرَتُهُـم بُـنِـيَـتْ عـلى الأخلاقِ والـنَـزاهَـةِ والإنسانِـيَّـةِ والـوَفـاءِ لِـلـمُـؤَسَّـسَةِ التي احْـتَـضَـنَـتْـهُـم، لا عـلى ما يَـمْـلُـكـونَ مِـنْ مال. إنَهُـمْ يَـسْـكُـنـونَ الآنَ في فَـرَحِ رَبِّهِـم، يَـنْـظُـرونَ بِـفَـخْـرٍ أعْـمالَـكُـم الـحَسَـنَة وما وَصَـلَ إلَـيْـهِ هـذا الـمُسْـتَـشـفى. لِــيَـكُـنْ ذِكْـرُهُـم مُـؤَبَّـداً.
يا أحبَّة، الـطِّـبُّ لا يُخْـتَـزَلُ بِـالعِـلْمِ بَـلْ في العَـلاقَـةِ مَعَ الـمَـريض. يَـقـولُ الـقِـدِّيـسُ يُـوحَـنّـا الـذَّهَـبِـيُّ الـفـم: «لا يَـنْـظُـرُ اللهُ إلى العَـمَـلِ وَحْـدَهُ بَـلْ إلى الـنِّـيَّـةِ الَّـتي تُـرافِـقُـهُ». الـطَّـبـيـبُ لا يَـرَى أَمامَهُ مَـلَـفًّـا طِـبِّـيًّـا فَـقَـطْ، بَـلْ يَـرَى إِنْسانًـا، مَـخْـلـوقـاً عـلى صورَةِ اللهِ ومِـثالِـهِ، مَحْـمُـولاً بِـالأَمَـلِ والخَـوْفِ، يَحْـتـاجُ إلى كَـلِـمَةٍ طَـيِّـبَةٍ كـما يَحْـتـاجُ إلى دَواء. قَـدْ يَـنْسى المَـرِيـضُ وَصْـفَـةَ الـطَّـبـيـبِ، لَـكِـنَّهُ لَـنْ يَـنْسَى نَـظْـرَةَ مَحَـبَّةٍ صادِقَـةٍ أَوْ كَـلِـمَةَ تَـعْـزِيَةٍ سَـمِعَـهـا قَـلْـبُهُ قَـبْـلَ أُذُنِه.
قَـدْ يَمُـرُّ الـطَّـبـيـبُ أَحْـيـانًـا بِـتَجـارِبَ مِـنْ نَـوْعٍ آخَـرَ كالـتَّعَــبِ والضَّغْــطِ الـنَّـفْـسِيِّ وسوءِ الـتَّـقْـديـرِ، أو الـشُّـعـورِ بِـأَنَّ جُهْـدَهُ يَـضِيعُ سُـدًى. لَـكِـنَّ الـرَّبَّ يَـقـولُ «طُـوبَى لِـلـرُّحَـماءِ لأَنَّهُـمْ يُـرْحَـمُـون» (مـت 5: 7). كُـلُّ تَعَـبٍ يُـبْـذَلُ بِـمَحَـبَّـةٍ لا يَـضِـيعُ، وكُـلُّ لَـيْـلَـةِ سَـهَـرٍ تُـكَـرَّسُ لِـخِـدْمَةِ مَـرِيـضٍ هِـيَ ذَخِـيـرَةٌ رُوحِـيَّـةٌ تُـحْـسَـبُ لَـكُـمْ في مَـلَـكـوتِ الله. لَـقَـدْ عَـلَّـمَـنـا الـقِـدِّيـسُ يـوحَـنّا الـرَّحـومُ أَنَّ الـطَّـبـيـبَ الحَـقِـيـقِـيَّ «هُـوَ الَّـذي يُعـالِـجُ الـمَـرِيضَ بِعَــيْـنَيِّ الـمَـسـيحِ»، أَيْ بِـرُوحِ الحُـنُـوِّ والـلُّـطْـفِ، حَـتَّى لَـوْ لَـمْ يَـسْـمَعْ كَـلِـمَـةَ شُـكْـرٍ.
يـا أحـبّـة، أكْـثَـرُ مـا يَحْـتـاجُ إِلَـيْـهِ الـطَّـبـيـبُ أَنْ يَحْـفَـظَ قَـلْـبَهُ مِـنَ الـقَـسْـوَة. فَـالإِحْـتِـكـاكُ الـيَـوْمِـيُّ بِـالأَلَـمِ قَـدْ يُـطْـفِـئُ حِـسَّ الـرَّحْـمَـة. لِـذَلِـكَ أَوْصـى الآبـاءُ بِالـصَّـلاةِ الـمُـسْـتَـمِـرَّةِ لأَنَّهـا تُحـافِـظُ عـلى الـقَـلْـبِ حَـيًّـا. فَحِـيـنَ يَـقِـفُ الـطَّـبـيـبُ قَـبْـلَ عَـمَـلِـهِ ويُـصَلّـي قـائِلًا: «يـا رَبُّ، أَعْـطِـنِي أَنْ أَرى مَـرْضاكَ كَما تَـراهُـمْ أَنْـتَ»، يُـصْبُِح عَـمَـلُـهُ نِعْــمَـةً، ويَـتَحَـوَّلُ يَـوْمُهُ إلـى لِـقـاءاتٍ مُـقَـدَّسَـةٍ، وتُْصبِحُ العِـيادَةُ وَغُـرْفَـةُ العَـمَـلِـيَّـاتِ أَوْ غُـرْفَـةُ الطَّـوارِئِ مَكانًـا يَـلْـتَـقِـي فـيه الإِنْـسانُ بِـنِعْـمَةِ اللهِ.
الـطِّـبُّ هُـوَ خِدْمَـةُ مَحـبَّةٍ، والمَحَـبَّـةُ الحَـقِـيـقِـيَّةُ قَـرارٌ يَـوْمِيٌّ بِـأَنْ نُـقَـدِّمَ ذَواتِـنا مِـنْ أَجْـلِ الآخَـر. لَـيْـسَ الـمَـطْـلُـوبُ مِـنَ الـطَّـبـيـبِ أَنْ يَـصْـنَـعَ الـمُعْـجِـزات، بَـلْ أَنْ يَـكُـونَ أَمِـيـنًـا لِـنِـعْـمَـةِ اللهِ الَّـتي أُعْـطِـيَـتْ لَـهُ، وأَنْ يَحْـفَـظَ نَـفْـسَهُ مِـنَ الـتَّجـارِبِ المُـتَـنَـوِّعَـةِ، وما أكْـثَـرَهـا في أيّـامِـنـا، وأنْ يَـتَـذَكَّـرَ أَنَّهُ أَيْـضًا مَـرِيضٌ بِحـاجَةٍ إلى شِـفـاءٍ روحِـيٍّ.
أَحِـبَّـائي، إِنَّ رسـالـتَـكـم سـامِـيَـةٌ، ومـا تَـقُـومـونَ بِـهِ عَـمَـلٌ مُـقَـدَّسٌ. أَنْـتُـمْ أدَواتٌ في يَـدِ اللهِ مِنْ أجْـلِ حِـفْـظِ الـحَـيـاةِ، وامْـتِـدادٌ لِـمَحَـبَّةِ المَـسـيحِ الـشَّافي. كُـلُّ جُهْـدٍ تَـبْـذُلُـونَهُ هُـوَ صَـلاةٌ صامِـتَةٌ تَـرْتَـفِعُ أَمامَ الله، وكُـلُّ شِـفـاءٍ يَـتِـمُّ بـواسِطَـتِـكُـم هـو مَجـالُ تَـمْجـيـدٍ لله، وكُـلُّ كَـلِـمَةِ تَعْـزِيَةٍ تَـتَـفَـوّهـونَ بِهـا هِـيَ سَـبـيـلٌ لإدْخـالِ الـفَـرَحِ إلـى قَـلْـبٍ مُـتَـألِّـم. فَاطْـلُـبـوا إِلى الـرَّبِّ أَنْ يُـقَـوِّيكُم ويُـطَهِّـرَ قُـلـوبَكُـم وَيُـبْعِــدَكُـم عَـنِ الـتَـجارِب، ويَـفْـتَحَ أَعْـيُـنَـكُـم لِـتَـرَوا في كُـلِّ مَـرِيضٍ وَجْهَ الـمَـسـيحِ المُـتَـأَلِّـم. حِـيـنَ تَـعْــمَـلُـونَ بِهَـذِهِ الـرُّوحِ، يَـصِـيـرُ المُـسْـتَـشْـفَـى كَـنِـيـسَةً، وغُـرْفَـةُ العَـمَـلِـيَّـاتِ مَـذْبَحًا، وأَيـدِيـكُـم أَداةَ نِعْـمَةٍ، آمـيـن".


